فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

قرأ ابن عامر: {كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 47] بالنصب في كل القرآن إلا في موضعين: في أول آل عمران: {كُنْ فَيَكُونُ الحق} [آل عمران: 59، 60] وفي الأنعام: {كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الحق} [الأنعام: 73] فإنه رفعهما، وعن الكسائي بالنصب في النحل ويس وبالرفع في سائر القرآن، والباقون بالرفع في كل القرآن، أما النصب فعلى جواب الأمر، وقيل هو بعيد، والرفع على الاستئناف أي فهو يكون. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {كُن} قيل: الكاف من كَيْنُونه، والنون من نُوره؛ وهي المراد بقوله عليه السلام: «أعوذ بكلمات الله التّامات من شرّ ما خلق» ويُروى: «بكلمة الله التامة» على الإفراد.
فالجمع لما كانت هذه الكلمة في الأمور كلها، فإذا قال لكل أمر كن، ولكل شيء كن، فهنّ كلمات.
يدلّ على هذا ما رُوِي عن أبي ذَرّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم فيما يُحكى عن الله تعالى: «عطائي كلام وعذابي كلام» خرّجه الترمذي في حديث فيه طول.
والكلمة على الإفراد بمعنى الكلمات أيضًا؛ لكن لما تفرّقت الكلمة الواحدة في الأمور في الأوقات صارت كلمات ومرجعهن إلى كلمة واحدة.
وإنما قيل تامة لأن أقل الكلام عند أهل اللغة على ثلاثة أحرف: حرف مبتدأ، وحرف تُحشَى به الكلمة، وحرف يُسكت عليه.
وإذا كان على حرفين فهو عندهم منقوص، كيَدٍ ودَمٍ وفَمٍ؛ وإنما نقص لعلّة.
فهي من الآدميّين من المنقوصات لأنها على حرفين؛ ولأنها كلمة ملفوظة بالأدوات.
ومن ربّنا تبارك وتعالى تامة؛ لأنها بغير الأدوات، تعالى عن شبه المخلوقين. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه ليس المراد من قوله تعالى: {فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 47] هو أنه تعالى يقول له: {كُن} فحينئذ يتكون ذلك الشيء فإن ذلك فاسد والذي يدل عليه وجوه.
الأول: أن قوله: {كُنْ فَيَكُونُ} إما أن يكون قديمًا أو محدثًا والقسمان فاسدان فبطل القول بتوقف حدوث الأشياء على {كُن} إنما قلنا: إنه لا يجوز أن يكون قديمًا لوجوه.
الأول: أن كلمة {كُن} لفظة مركبة من الكاف والنون بشرط تقدم الكاف على النون، فالنون لكونه مسبوقًا بالكاف لابد وأن يكون محدثًا، والكاف لكونه متقدمًا على المحدث بزمان واحد يجب أن يكون محدثًا.
الثاني: أن كلمة {إِذَا} لا تدخل إلا على سبيل الإستقبال، فذلك القضاء لابد وأن يكون محدثًا لأنه دخل عليه حرف {إِذَا} وقوله: {كُن} مرتب على القضاء بفاء التعقيب لأنه تعالى قال: {فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ} والمتأخر عن المحدث محدث، فاستحال أن يكون: {كُن} قديمًا.
الثالث: أنه تعالى رتب تكون المخلوق على قوله: {كُن} بفاء التعقيب فيكون قوله: {كُن} مقدمًا على تكون المخلوق بزمان واحد والمتقدم على المحدث بزمان واحد لابد وأن يكون محدثًا فقوله: {كُن} لا يجوز أن يكون قديمًا، ولا جائز أيضًا أن يكون قوله: {كُن} محدثًا لأنه لو افتقر كل محدث إلى قوله: {كُن} وقوله: {كُن} أيضًا محدث فيلزم افتقار: {كُن} آخر ويلزم إما التسلسل وإما الدور وهما محالان، فثبت بهذا الدليل أنه لا يجوز توقف إحداث الحوادث على قوله: {كُن}.
الحجة الثانية: أنه تعالى إما أن يخاطب المخلوق بكن قبل دخوله في الوجود أو حال دخوله في الوجود، والأول: باطل لأن خطاب المعدوم حال عدمه سفه، والثاني: أيضًا باطل لأنه يرجع حاصله إلى أنه تعالى أمر الموجود بأن يصير موجودًا وذلك أيضًا لا فائدة فيه.
الحجة الثالثة: أن المخلوق قد يكون جمادًا، وتكليف الجماد عبث ولا يليق بالحكيم.
الحجة الرابعة: أن القادر هوالذي يصح منه الفعل وتركه بحسب الإرادات، فإذا فرضنا القادر المريد منفكًّا عن قوله: {كُن} فإما أن يتمكن من الإيجاد والأحداث أو لا يتمكن، فإن تمكن لم يكن الإيجاد موقوفًا على قوله: {كُن} وإن لم يتمكن فحينئذ يلزم أن لا يكون القادر قادرًا على الفعل إلا عند تكلمه بكن فيرجع حاصل الأمر إلى أنكم سمعتم القدرة بكن وذلك نزاع في اللفظ.
الحجة الخامسة: أن {كُن} لو كان له أثر في التكوين لكنا إذا تكلمنا بهذه الكلمة وجب أن يكون لها ذلك التأثير، ولما علمنا بالضرورة فساد ذلك علمنا أنه لا تأثير لهذه الكلمة.
الحجة السادسة: أن {كُن} كلمة مركبة من الكاف والنون، بشرط كون الكاف متقدمًا على النون، فالمؤثر إما أن يكون هو أحد هذين الحرفين أو مجموعهما، فإن كان الأول لم يكن لكلمة {كُن} أثر ألبتة، بل التأثير لأحد هذين الحرفين، وإن كان الثاني فهو محال، لأنه لا وجود لهذا المجموع ألبتة لأنه حين حصل الحرف الأول لم يكن الثاني حاصلًا، وحين جاء الثاني فقد فات الأول، وإن لم يكن للمجموع وجود ألبتة استحال أن يكون للمجموع أثر ألبتة.
الحجة السابعة: قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ الله كَمَثَلِ ءادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [آل عمران: 59] بين أن قوله: {كُن} متأخر عن خلقه إذ المتأخر عن الشيء لا يكون مؤثرًا في المتقدم عليه، فعلمنا أنه لا تأثير لقوله: {كُن} في وجود الشيء فظهر بهذه الوجوه فساد هذا المذهب، وإذا ثبت هذا فنقول لابد من التأويل وهو من وجوه:
الأول: وهو الأقوى أن المراد من هذه الكلمة سرعة نفاذ قدرة الله في تكوين الأشياء، وأنه تعالى يخلق الأشياء لا بفكرة ومعاناة وتجربة ونظيره قوله تعالى عند وصف خلق السموات والأرض:
{فَقَالَ لَهَا وَلِلاْرْضِ ائتيا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11] من غير قول كان منهما لكن على سبل سرعة نفاذ قدرته في تكوينهما من غير ممانعة ومدافعة ونظيره قول العرب: قال الجدار للوتد لم تشقني؟ قال: سل من يدقني فإن الذي ورائي ما خلاني ورائي ونظيره قوله تعالى: {وَإِن مّن شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44].
الثاني: أنه علامة يفعلها الله تعالى للملائكة إذا سمعوها علموا أنه أحدث أمرًا يحكى ذلك عن أبي الهذيل.
الثالث: أنه خاص بالموجودين الذين قال لهم؛ {كُونُواْ قِرَدَةً خاسئين} [البقرة: 65] ومن جرى مجراهم وهو قول الأصم.
الرابع: أنه أمر للأحياء بالموت وللموتى بالحياة والكل ضعيف والقوي هو الأول. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} الظاهر أن الفعلين من كان التامة لعدم ذكر الخبر مع أنها الأصل أي احدث فيحدث، وهي تدلك على معنى الناقصة لأن الوجود المطلق أعم من وجوده في نفسه أو في غيره والأمر محمول على حقيقته كما ذهب إليه محققو ساداتنا الحنفية والله تعالى قد أجرى سنته في تكوين الأشياء أن يكوّنها بهذه الكلمة وإن لم يمتنع تكوينها بغيرها، والمراد الكلام الأزلي لأنه يستحيل قيام اللفظ المرتب بذاته تعالى ولأنه حادث فيحتاج إلى خطاب آخر فيتسلسل وتأخره عن الإرادة وتقدمه على وجود الكون باعتبار التعلق، ولما لم يشتمل خطاب التكوين على الفهم واشتمل على أعظم الفوائد جاز تعلقه بالمعدوم، وذهب المعتزلة وكثير من أهل السنة إلى أنه ليس المراد به حقيقة الأمر والامتثال، وإنما هو تمثيل لحصول ما تعلق به الإرادة بلا مهلة بطاعة المأمور المطيع بلا توقف فهناك استعارة تمثيلية حيث شبهت هيأة حصول المراد بعد تعلق الإرادة بلا مهلة، وامتناع بطاعة المأمور المطيع عقيب أمر المطاع بلا توقف وإباء تصويرًا لحال الغائب بصورة الشاهد ثم استعمل الكلام الموضوع للمشبه في المشبه به من غير اعتبار استعارة في مفرداته وكان أصل الكلام إذا قضى أمرًا فيحصل عقيبه دفعة فكأنما يقول له كان فيكون ثم حذف المشبه، واستعمل المشبه به مقامه، وبعضهم يجعل في الكلام استعارة تحقيقية تصريحية مبنية على تشبيه حال بقال، ولعل الذي دعى هؤلاء إلى العدول عن الظاهر زعم امتناعه لوجوه ذكرها بعض أئمتهم الأول: أن قوله تعالى: {كُن} إما أن يكون قديمًا أو محدثًا لا جائز أن يكون قديمًا لتأخر النون ولتقدم الكاف، والمسبوق محدث لا محالة، وكذا المتقدم عليه بزمان مقدر أيضًا، ولأن {إِذَا} للاستقبال فالقضاء محدث و{كُن} مرتب عليه بفاء التعقيب، والمتأخر عن المحدث محدث، ولا جائز أن يكون محدثًا وإلا لدار أو تسلسل، الثاني: إما أن يخاطب المخلوق بكن قبل دخوله في الوجود، وخطاب المعدوم سفه، وإما بعد دخوله ولا فائدة فيه.
الثالث: المخلوق قد يكون جمادًا وتكليفه لا يليق بالحكمة الرابع: إذا فرضنا القادر المريد منفكًا عن قوله: {كُن} فإن تمكن من الإيجاد فلا حاجة إليها وإن لم يتمكن فلا يكون القادر قادرًا على الفعل إلا عند تكلمه ب {كُن} فيلزم عجزه بالنظر إلى ذاته.
الخامس: أنا نعلم بالضرورة أنه لا تأثير لهذه الكلمة إذا تكلمنا بها فكذا إذا تكلم بها غيرنا.
السادس: المؤثر إما مجموع الكاف والنون ولا وجود لهما مجموعين أو أحدهما وهو خلاف المفروض. انتهى.
وأنت إذا تأملت ما ذكرنا ظهر لك اندفاع جميع هذه الوجوه، ويا عجبًا لمن يقول بالكلام النفسي ويجعل هذا دالًا عليه كيف تروعه هذه القعاقع أم كيف تغره هذه الفقاقع؟ا نعم لو ذهب ذاهب إلى هذا القول لما فيه من مزيد إثبات العظمة لله تعالى ما ليس في الأول لا لأن الأول باطل في نفسه كان حريا بالقبول ولعلي أقول به والآية مسوقة لبيان كيفية الإبداع ومعطوفة على قوله تعالى: {بَدِيعُ السموات والأرض} مشتملة على تقرير معنى الإبداع وفيها تلويح بحجة أخرى لإبطال ذلك الهذيان بأن اتخاذ الولد من الوالد إنما يكون بعد قصده بأطوار ومهلة لما أن ذلك لا يمكن إلا بعد انفصال مادته عنه وصيرورته حيوانًا، وفعله تعالى بعد إرادته أو تعلق قوله مستغن عن المهلة فلا يكون اتخاذ الولد فعله تعالى، وكأن السبب في هذه الضلالة أنه ورد إطلاق الأب على الله تعالى في الشرائع المتقدمة باعتبار أنه السبب الأول وكثر هذا الإطلاق في إنجيل يوحنا ثم ظنت الجهلة أن المراد به معنى الولادة فاعتقدوا ذلك تقليدًا وكفروا، ولم يجوز العلماء اليوم إطلاق ذلك عليه تعالى مجازًا، قطعًا لمادة الفساد، وقرأ ابن عامر {فَيَكُونُ} بالنصب، وقد أشكلت على النحاة حتى تجرأ أحمد بن موسى فحكم بخطئها وهو سوء أدب بل من أقبح الخطأ ووجهها أن تكون حينئذ جواب الأمر حملًا على صورة اللفظ وإن كان معناه الخبر إذ ليس معناه تعليق مدلول مدخول الفاء بمدلول صيغة الأمر الذي يقتضيه سببية ما قبل الفاء لما بعدها اللازمة لجواب الأمر بالفاء إذ لا معنى لقولنا ليكن منك كون فكون، وقيل: الداعي إلى الحمل على اللفظ أن الأمر ليس حقيقيًا فلا ينصب جوابه وإن من شرط ذلك أن ينعقد منهما شرط وجزاء نحو ائتني فأكرمك إذ تقديره إن تأتني أكرمك، وهنا لا يصح أن يكن يكن وإلا لزم كون الشيء سببًا لنفسه، وأجيب بأن المراد إن يكن في علم الله تعالى وإرادته يكن في الخارج فهو على حد «من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله» وبأن كون الأمر غير الحقيقي لا ينصب في جوابه ممنوع فإن كان بلفظ فظاهر ولكنه مجاز عن سرعة التكوين وإن لم يعتبر فهو مجاز عن إرادة سرعته فيؤول إلى إن يراد سرعة وجود شيء يوجد في الحال فلا محذور للتغاير الظاهر ولا يخفى ما فيه، ووجه الرفع الاستئناف أي فهو يكون وهو مذهب سيبويه، وذهب الزجاج إلى عطفه على {يِقُولُ} وعلى التقديرين لا يكون {يَكُونَ} داخلًا في المقول ومن تتمته ليوجه العدول عن الخطاب بأنه من باب الالتفات تحقيرًا لشأن الأمر في سهولة تكونه ووجهه به غير واحد على تقدير الدخول. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فيَكُونُ} قرئ برفع النون على الاستئناف.
قال سيبويه: فهو يكون، أو فإنه يكون.
وقال غيره: وهو معطوف على يقول؛ فعلى الأوّل كائنًا بعد الأمر، وإن كان معدومًا فإنه بمنزلة الموجود إذ هو عنده معلوم؛ على ما يأتي بيانه.
وعلى الثاني كائنًا مع الأمر؛ واختاره الطبري وقال: أمره للشيء بكن لا يتقدّم الوجود ولا يتأخّر عنه؛ فلا يكون الشيء مأمورًا بالوجود إلا وهو موجود بالأمر، ولا موجودًا إلا وهو مأمور بالوجود، على ما يأتي بيانه.
قال: ونظيره قيام الناس من قبورهم لا يتقدّم دعاء الله ولا يتأخّر عنه؛ كما قال: {ثُمَّ إذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} [الروم: 25].
وضعّف ابن عطية هذا القول وقال: هو خطأ من جهة المعنى؛ لأنه يقتضي أن القول مع التكوين والوجود.
وتلخيص المعتقد في هذه الآية: أن الله عزّ وجلّ لم يزل آمرًا للمعدومات بشرط وجودها، قادرًا مع تأخر المقدورات، عالمًا مع تأخّر المعلومات.
فكلُّ ما في الآية يقتضي الاستقبال فهو بحسب المأمورات؛ إذ المحَدثات تجيء بعد أن لم تكن.
وكل ما يُسند إلى الله تعالى من قدرة وعلم فهو قديم لم يزل.
والمعنى الذي تقتضيه عبارة {كن}: هو قدم قائم بالذات.
وقال أبو الحسن الماوَرْدِي فإن قيل: ففي أي حال يقول له كن فيكون؟ أفي حال عدمه، أم في حال وجوده؟ فإن كان في حال عدمه استحال أن يأمر إلا مأمورًا، كما يستحيل أن يكون الأمر إلا من آمر؛ وإن كان في حال وجوده فتلك حال لا يجوز أن يأمر فيها بالوجود والحدوث؛ لأنه موجود حادث؟ قيل عن هذا السؤال أجوبة ثلاثة:
أحدها: أنه خبر من الله تعالى عن نفوذ أوامره في خلقه الموجود؛ كما أمر في بني إسرائيل أن يكونوا قِرَدَةً خاسئين؛ ولا يكون هذا واردًا في إيجاد المعدومات.
الثاني: أن الله عزّ وجلّ عالم بما هو كائن قبل كونه؛ فكانت الأشياء التي لم تكن وهي كائنة بعلمه قبل كونها مشابهة للتي هي موجودة؛ فجاز أن يقول لها: كوني، ويأمرها بالخروج من حال العدم إلى حال الوجود؛ لتصوّر جمعيها له ولعلمه بها في حال العدم.
الثالث: أن ذلك خبر من الله تعالى عامّ عن جميع ما يُحدثه ويكوّنه إذا أراد خلقه وإنشاءه كان، ووجد من غير أن يكون هناك قول يقوله، وإنما هو قضاء يريده؛ فعبر عنه بالقول وإن لم يكن قولًا؛ كقول أبي النَّجْم:
قد قالتِ الأنْساع للبَطْنِ الحق

ولا قول هناك، وإنما أراد أن الظَّهْر قد لَحِق بالبطن، وكقول عمرو بن حممة الدُّوسِيّ:
فأصبحتُ مثلَ النسْر طارتِ فِراخُه ** إذا رامَ تطْيارًا يقل له قَع

وكما قال الآخر:
قالت جناحاه لساقَيْهِ الحقا ** ونجّيَا لحمكما أن يمزّقا